Translate

الخميس، 21 يوليو 2016

الأدب العربي الحديث
صفة الشعر خلال مرحلة ما قبل المدارس الشعرية
مرّ الشعر العربي بفترة ضعف وركود في ظل حكم المماليك والعثمانيين. وقد استمر على حاله هذه مع بدايات العصر الحديث وصولا إلى مشارف الربع الأخير من القرن التاسع عشر. فقد ظل طيلة هذه الفترة متخلفا رديئا يستر هزاله وتهافته بألوان من المهارات اللفظية والحيل اللغوية والمحسنات البديعية المتكلفة، كعمل أبيات تقرأ من اليسار كما تقرأ من اليمين، أو أبيات كل كلماتها معجمة الحروف، أو كل كلماتها مهملة الحروف، أو أبيات أوائل حروفها تؤلف بيتا آخر من الشعر، أو كل كلماتها تبدأ بحرف واحد... إلخ.
مدرسة الإحياء
أساس مدرسة الإحياء
الأساس الذي اتفق حوله شعراء هذه المدرسة، واتخذوا منه نهجا يسيرون عليه هو اتخاذ الشعر العربي القديم المشرقي والأندلسي مثلا شعريا أعلى في الأسلوب الشعري، يعملون على إحيائه وبعثه من جديد من خلال تقليده ومحاكاته، وعدم الركون إلى النماذج الشعرية الضعيفة التي سادت القرون السابقة عليهم مباشرة أثناء العصرين المملوكي والعثماني، حيث سادت ألوان من الألاعيب اللفظية والمحسنات المتكلفة في سبيل ستر ضحالة الموضوعات وفقر الأفكار وبرودة المشاعر وتهافت الأسلوب.
الأجيال المؤسسة لمدرسة الإحياء

الجيلان المؤسسان لمدرسة الإحياء
يعد محمود سامي البارودي (1838 ـ 1904م) رائد هذا الاتجاه، ومعه من أبناء جيله إسماعيل صبري (1854 ـ 1923م) وعائشة التيمورية (1840 ـ 1902م)، حيث عملوا على تقديم نموذج شعري يخالف النموذج الشعري المعهود في زمانهم، ثم تلاهم تاريخيا جيل آخر صارت له السيطرة التامة على ميدان الشعر في الوطن العربي، وعلى رأسهم أحمد شوقي (1869 ـ 1932م) وحافظ إبراهيم (1872 ـ 1932م) ومحمد عبد المطلب (1871 ـ 1931م) وأحمد محرم (1877 ـ 1945م)، حيث قضوا قضاء شبه تام على الطريقة التقليدية الجامدة؛ وذلك بفضل تمكنهم من أسلوب هذا الاتجاه وكثرة نتاجهم بطريقته وقوة تمسكهم بتقاليده.

مجالات محاكاة مدرسة الإحياء
موضوعات شعر مدرسة الإحياء
أولا ـ الموضوعات السياسية
(1) تأييد الحاكم
   






معارضة الحاكم
عتاب علي الغاياتي الخديوي عباس لمهادنته الإنجليز
فلا تَخْشَ مِنَّا بَعْدَ ذاكَ عِتابا
أعَبَّاسُ هذا آخِرُ العَهْدِ بَيْنَنا
نَنالُ إذا رُمْنا الحَياةَ عِقابا
أَيُرْضِيكَ فِينا أَنْ نَكُونَ أَذِلَّةً
وَأَصْلَيْتَنا بَعْدَ الوِفاقِ عَذابا
وأَرْضَيْتَ أَعْداءَ البِلادِ وأَهْلِها
ثانيا ـ الموضوعات الاجتماعية
(1) استنهاض الأمة ضد المظالم
حث حافظ إبراهيم للشعب على الثورة ضد إيقاف العمل بالدستور
تَبِيتُوا على يَأْسٍ ولا تَتَضَجَّرُوا
وَيا طالِبي الدُّسْتورِ لا تَسْكُتُوا، ولا
ولا نالَهُ في العالَمِينَ مُقَصِّرُ
فَما ضاعَ حَقٌّ لم يَنَمْ عَنْهُ أَهْلُهُ

(2) عرض بعض القضايا الاجتماعية

حث حافظ إبراهيم الأغنياء على الصدقة
ـيِ يَجُرُّونَ للذِّيولِ افْتِخارا
أَيُّها الرَّافِلُونَ في حُلَلِ الْوَشْـ
يَتَوارَوْنَ ذِلَّةً وَانْكِسارا
إِنَّ فَوْقَ العَراءِ قَوْمًا جِياعًا

(3) الدعوة إلى تقويم أخلاق المجتمع

إعلاء حافظ إبراهيم شأن الأخلاق
طَرَبَ الغَرِيبِ بِأَوْبَةٍ وَتَلاقِ
إِنِّي لَتُطْرِبُني الخِلالُ كَرِيمَةً
بَيْنَ الشَّمائِلِ هِزَّةَ المشْتاقِ
وَتَهُزُّني ذِكْرَى المُرُوءَةِ والنَّدَى

ثالثا ـ الموضوعات الذاتية
(1) الغزل

غزل البارودي




(2) الرثاء

رثاء البارودي زوجته
شرح النص




مدرسة الديوان
رواد مدرسة الديوان

رواد هذه المدرسة ثلاثة من شعراء مصر ونقادها، وهم: عبد الرحمن شكري (1886 ـ 1958م)، وإبراهيم عبد القادر المازني (1889 ـ 1949م)، وعباس محمود العقاد (1889 ـ 1964م). حيث جمع بين هؤلاء الثلاثة تطلعهم إلى تجديد الشعر بما يلائم العصر والبيئة، متكئين في ذلك على ثقافتهم الإنجليزية التي مكنتهم من مطالعة أشعار الرومانسية الإنجليزية، إضافة إلى ثقافتهم العربية. فكان أول إنتاج شعري لهم يحقق هذه الرؤية، ويمثل طفرة في تاريخ تطور الشعر العربي ديوان شكري "ضوء الفجر" الذي صدر عام (1909م)، ثم والى الثلاثة نشر دواوينهم تباعا. كما أنهم نظّروا لرؤيتهم تلك تنظيرا نقديا في مقدمات دواوينهم وفي الصحف، إلا أن أهم ما أنتجوه في كتاباتهم النقدية كتاب "الديوان" الذي عزم العقاد والمازني على إخراجه في عشرة أجزاء، لكنهم أخرجوا منه جزئين فقط عام (1921م).



أساس مدرسة الديوان
قامت مدرسة الديوان بوصفه امتدادا للمذهب الرومانسي الغربي، الذي ينادي بأن يكون الأدب ذاتيا يعبر عن أحاسيس الشاعر وأفكاره الذاتية تجاه الكون من حوله؛ ولذلك رأى العقاد أن الشاعر الحق هو الذي «يحس حين يفكر، ويفكر حين يحس».
وتكون بذلك وظيفة أدوات التشكيل اللغوي كلها محصورة في نجاحها في نقل هذه الأفكار وتلك المشاعر إلى المتلقي. وبذلك فإن القصيدة تأتي محققة للوحدة الشعورية والوحدة الموضوعية.
نموذج شعري يمثل أسأس مدرسة الديوان
قال محمد طاهر الجبلاوي
لَيْتَ شِعْري، وما الذي في السماءِ ؟
أُرْسِلُ الطَّرْفَ في السَّماءِ صُعُودًا
أَبْتَغيها، أو مَنْفَذٌ مِنْ عَناءِ ؟
هلْ وَراء َالأُفْقِ راحَةُ نَفْسٍ
ثم تَدْنو باليأْسِ والإِعْياءِ
تَتَعالى العُيونُ فيها وتَسْمُو
وهمَيِّ مُوَفَّرٌ وشَقائي
وإذا بي مُقَلِّبًا بَعْدُ كَفِّي
وفؤادي مُعَلَّقٌ في الفَضاءِ
ساعةً ثم ساعةً إِثْرَ أُخْرى
يَلْقَياني بِأَوْجُهٍ نَكْراءِ
وأَرَى الأَرْضَ والسَّماءَ جَمِيعًا
قابَلاني مِنْ أَجْلِهِ بِعَفَاءِ
فَكَأَنِّي أَرَدْتُ في الكونِ أَمْرًا
ـئتُ شَقِيًّا مُضاعَفَ الأَعْباءِ
فَإِلى مَنْزِلي أَعُودُ كما جِئْـ


جماعة أبولو
رواد جماعة أبولو
مع بدايات الربع الثاني من القرن العشرين، بدأ يظهر على الساحة الأدبية المصرية عدد من الدواوين والقصائد المنشورة بالصحف لشعراء تتسم أشعارهم بسمتين أساسيتين، هما: الابتداع المنطلق المتحرر، والعاطفة الجياشة. وهؤلاء الشعراء هم: أحمد زكي أبو شادي، وإبراهيم ناجي، ومحمد عبد المعطي الهمشري، وعلي محمود طه، وصالح جودت، وحسن كامل الصيرفي.


كانت بداية هذا الاتجاه بالتحديد عام (1927م) عندما خرج للنور ديوان "الشفق الباكي" لأحمد زكي أبو شادي الذي جاورته عدد من قصائد شعراء هذا الاتجاه بالصحف، ثم رأى أحمد زكي أبو شادي تأسيس جمعية "أبولو" التي أخرجت مجلة باسمها عام (1932م) مثلت تجميعا غير مسبوق لشعراء هذه المدرسة، وأبانت عن انتمائهم لتيار واحد. أما عام (1934م) فقد مثل بالنسبة لهم عام الفيضان الشعري، حيث أخرج معظم شعراء هذه المدرسة دواوينهم الأولى، فظهر لعلي محمود طه «الملاح التائه» ولإبراهيم ناجي "من وراء الغمام" ولحسن كامل الصيرفي "الألحان الضائعة" ولصالح جودت ديوان سماه باسمه.





عوامل نشأة جماعة أبولو

عوامل نشأة جماعة أبولو
1- إجادتهم اللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ مما أتاح لهم مطالعة الاتجاه الرومانسي في أوربا، خاصة إنجلترا وفرنسا.
2 ـ مجيئهم إثر ثلاث مدارس أدبية كبرى هي الإحياء والديوان والمهجر، فاستطاعوا الاستفادة من احتدام الصراع بين المدرستين الأوليين من خلال قدرتهم على تمييز محاسن كل مدرسة من مساوئها؛ مما دفعهم إلى محاولة إبداع شعر يعيد توظيف هذه المحاسن، ويتجاوز هذه المساوئ. أما مدرسة المهجر، فكانت إحدى صور الاتجاه الرومانسي التي أفاد منها بعض شعراء أبولو الذين لم يجيدوا لغة أجنبية.
أبرز موضوعات شعر جماعة أبولو

1 ـ التجربة العاطفية

قال أحمد زكي أبو شادي:
سلاما أيها الآسي
أمانا أيها الحب
فرارا من أذى الناس
أتيت إليك مشتفيا
تحارب كل إحساس
فررت وحولي الدنيا






2 ـ عشق الطبيعة

قال حسن كامل الصيرفي مخاطبا شجرة عارية:
أَتُرَى أعُودُ إلى رَبيعي
أنا أنتِ، لكن خَبِّريني
ءِ ، إذا ارْتَوَيْتُ مِنَ الدُّموعِ
تَرْويكِ أمطارُ الشتا


3 ـ التأمل الفلسفي ، وتجسيد الرؤية الخاصة

قال إبراهيم ناجي:
وما احتيالي في صُموتِ الرمالْ
عَيِيتُ بالدنيا وأسْرارِها
رُشْدًا فما أَغْنَمُ إلا الضلالْ
أَنْشُدُ في رائعِ أنوارِها
مُبْتَغِيًا لي رَحْمَةً في الظلامْ
أَغْمَضتُ عَيْني دُونَها خائفًا












4 ـ شكوى الانكسار والحزن
قال علي محمود طه :
سَلِيبَ رُقادٍ أَرَّقَتْهُ المَخاوِفُ
شَقِيٌّ أَجَنَّتْهُ الدَّياجي السَّوادِفُ
به الأرضُ غَرْقَى والنُّجومُ كَواسِفُ
تَرامى بِهِ لَيْلٌ كَأَنَّ سَوادَهُ
ويَعْجَزُ عن تَصْويرِها اليومَ واصِفُ
وَلِي قِصَّةٌ يُشْجِي القُلوبَ حَدِيثُها
عَصائبُ تَنْزُو مِنْ دَمي ولَفائِفُ
ألا إنَّ لي قَلْبًا طَعِينًا تَحُوطُهُ

السمات الفنية لشعر جماعة أبولو
1 ـ جدة المعجم الشعري، مع يسره وطرافته
قال إبراهيم ناجي
وأنا أهتف يا قلب اتئد
رفرف القلب بجنبي كالذبيح
لم عدنا؟ ليت أنا لم نعد
فيجيب الدمع والماضي الجريح

كثافة المجاز «تراسل الحواس»-2
قال الهمشري مخاطبا النارنجة الذابلة
خَنَقَتْ جُفوني ذِكرياتٌ حُلْوَةٌ
 
من عطرِك القَمَرِيِّ والنَّغَمِ الوَضي
فانساب منكِ على كَلِيلِ مشاعري
 
يَنبوعُ لَحْنٍ في الخيالِ مُفَضَّضِ
وَهَفَتْ عليك الروحُ من وادي الأَسَى
 
لِتَعُبَّ من خَمْرِ الأَرِيجِ الأَبْيَضِ





الوحدة الثانية
أدب المهجر
تمهيد تاريخي
فترة الهجرة
النصف الثاني من القرن التاسع عشر
الربع الأول من القرن العشرين
مسار الهجرة
بلاد الشام ( سوريا- فلسطين- لبنان )
القارتان الأمريكيتان ( الولايات المتحدة الأمريكية – البرازيل)
عوامل الهجرة
عوامل طاردة ( اقتصادية – سياسية )
غوامل جاذبة ( الرخاء – الحرية)
أبرز جماعات أدباء المهجر
العصبة الأندلسية
الرابطة القلمية
سان باولو (البرازيل)
نيويورك (الولايات المتحدة الأمريكية)
المقر
1933
1920
عام التأسيس
ميشيل معلوف «رئيس»، شكر الله الجر «صاحب فكرة التأسيس»، عقل الجر، إلياس فرحات، شفيق معلوف، رياض معلوف، نعمة قازان، حسني غراب، نصر سمعان، جبران سعادة، الشاعر القروي، الشاعر المدني
جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، ندرة حداد، عبد المسيح حداد، نسيب عريضة، رشيد أيوب، إيليا أبو ماضي، وليم كاتسفليس، وديع باحوط، إلياس عطا الله
الأعضاء
الأندلس الجديدة «أسسها شكر الله الجر»
الفنون «أسسها نسيب عريضة»
المجلة
العصبة الأندلسية «رأس تحريرها حبيب مسعود»
السائح «أسسها عبد المسيح حداد»
تجديد الأدب العربي، وانتشاله من وهدة الخمول والتقليد، على أساس إعطاء الأديب الحرية الكاملة في التعبير عن ذاته ورؤيته الإنسانية والكونية
الهدف
الإبقاء على وشيجة اتصال بين الأدب العربي القديم والحديث
قطيعة كاملة مع التراث العربي، وتمرد عليه
السبيل
السمات الموضوعية في أدب المهجر

أولا ـ النزعة الإنسانية
الدعوة إلى الحب والإيثار والتعاون والتسامح-1













 (2) قصة الصراع بين القوة والضعف في حياة البشر



ثانيا ـ النزعة التأملية
وحدة الوجود -1


 (2) حرية الإنسان في ممارسة أفعاله وتصرفاته







ثالثا ـ تجربة الاغتراب
الحنين إلى الأم

 (2) الحنين إلى الوطن








رابعا ـ الفرار إلى الطبيعة، وعمق الإحساس بها
(1) نظرية الحلول


 (2) الهروب إلى حياة الغاب

السمات الأسلوبية في شعر المهجر
(1) الرمز الشعري

عن ديار ما لنا فيها صديق
جج
هو ذا الفجر، فقومي ننصرف

ج
وهلمي نقتفس خطواته
ج
هو ذا الصبح ينادي فاسمعي
أن نور الصبح من آياته
ج
قد كفانا من مساء يدعي
بين ضلعيه خيالات الهموم
قد أقمنا العمر في واد تسير

فوق متنيه كعقبان ويوم
وشهدنا اليأس أسرابا تطير

فغدونا نتردى بالرماد
ولبسنا الصبر ثوبا فالتهب

كيف نرجوك؟ ومن أين السبل؟
يا بلادا حجبت منذ الأزل
سورها العالي؟ ومن أين الدليل
أي قفر دونها؟ أي جبل
في نفوس تتمنى المستحيل
أسراب أنت أم أنت الأمل





 (2) الصورة الشعرية



(3) اتخاذ البنية القصصية



المسرح العربي الحديث

الإبداع التمثيلي في التراث العربي
التعزية-1
وهي تمثيلية تعبر عن طقس احتفالي ديني خاص بالشيعة في الأيام العشرة الأولى من شهر  المحرم، حيث يقدمون خلالها حياة الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ وأحداث مقتله، جامعين في ذلك بين الشعر والنثر.
 (2) خيال الظل
وهو مسرحيات تجمع بين الشعر والنثر تقدمها الشخوص أو الدمى بين ضوء شديد وشاشة تعكس ظلالها على الجانب الآخر حيث الجمهور. وكانت مصر أكثر البلاد العربية التي نال بها حظا من الشيوع، وذلك حين انتقل إليها في القرن السابع الهجري من الصين وإندونيسيا اللذين يمثلان بلدي النشأة. ويقدم خيال الظل عروضا ساخرة من الواقع في شكل فصول "بابات"، لكل فصل "بابة" قصة مرتبطة ببطل يختلف في شكله عن البابات الأخرى.
(3) القره قوز
هي تمثيليات هزلية تقدمها عرائس يفصل بينها وبين الجمهور حاجز، حيث تقدم مادة تستثير ضحك الجمهور بما تقدمه من نكات وموضوعات ساخرة تتخللها مقطوعات غنائية.

مراحل تطور المسرح العربي
المرحلة الأولى
(الترجمة)

كانت هذه الترجمة عن المسرح الأوربي، خاصة الفرنسي والإنجليزي، مثل مسرحيات موليير وراسين وفيكتور هوجو من المسرح الفرنسي، وشكسبير وبرنارد شو من المسرح الإنجليزي.
لم تستطع هذه الترجمات أن تحشد حولها الجماهير؛ إما لأن هذا الفن كان فنا طارئا على المجتمع العربي لم يألفه المجتمع من قبله، ولم يعرف له متعة ولا أهدافا، أو لأن موضوعات تلك المسرحيات وشخصياتها لم تكن على صلة بموضوعات ذلك المجتمع وقضاياه. ومن أجل ذلك عمل أرباب هذا الفن الطارئ على التحول إلى المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية
(التعريب والتمصير)

جاءت هذه المرحلة لحشد عدد أكبر من الجمهور؛ حتى تتسع أرضية هذا الفن داخل المجتمع العربي، حيث عمد رواد الفن المسرحي في الوطن العربي إلى الاكتفاء باقتباس مشاهد معينة من المسرحيات العالمية مع تمصير فكرتها وشخوصها، إضافة إلى تحويل لغتها إلى اللغة العامية المصرية مثلا.
وقد نجحت هذه المرحلة في الوصول إلى هدفها؛ حيث انجذب من خلال ذلك الصنيع عدد وافر من الجمهور. وكان من رواد هذه المرحلة محمد عثمان جلال (1829 ـ 1898م) الذي قدم عام (1873م) مسرحية "الشيخ متلوف" اقتباسا من مسرحية موليير "ترتوف"، ثم أتبعها بعدة اقتباسات من المسرح الفرنسي خاصة، مقدما اقتباساته في لغة عامية مصرية









المرحلة الثالثة
(التأليف)

تعد هذه المرحلة تطورا طبيعيا للمرحلة السابقة، فبعد أن صار لأرباب هذا الفن ذوق الاقتباس وإبداع اللغة المناسبة، كان لزاما عليهم أن ينتقلوا إلى مرحلة جديدة يؤصلون بها لهذا الفن في الوطن العربي من خلال تأليف عدد من المسرحيات المعتمدة على التراث العربي ذاته الذي احتوى قدرا هائلا من القصص الشعبية والروايات التاريخية التي مثلت ثروة إبداعية غزيرة قريبة إلى ثقافة الجمهور.

كان مارون النقاش (1817 ـ 1855م) أول من أبدع مسرحية عربية خالصة هي مسرحية "أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد" التي قدمها على مسرحه في بيروت عام (1849م)، حيث اعتمد في مادتها على كتاب ألف ليلة وليلة. كما قدم مسرحيتين أخريين هما "البخيل" و"السليط الحسود". وقد غلب على "البخيل" الشعر، أما المسرحيتان الأخريان، فغلب عليهما النثر المسجوع.
ثم جاء الشيخ أحمد أبو خليل القباني (1842 ـ 1903م) ليكون فرقة مسرحية في سوريا عام (1865م)، ثم وفد بها على مصر عام (1884م)، وقدم من خلالها عدة مسرحيات تجمع كل منها بين الشعر والنثر، معتمدة في مادتها على التاريخين العربي والإسلامي مثل "هارون الرشيد" و"عنترة بن شداد" و"مجنون ليلى".
أما خليل اليازجي، فقد قدم عام (1878م) مسرحية "المروءة والوفاء" التي التزمت الشعر التزاما تاما، فكان يأتي الحوار على شكل قصيدة كاملة متفقة الوزن والقافية، ثم تتبع هذه القصيدة بموشح يقدم على خشبة المسرح بوصفه فاصلا غنائيا. كما أن هذه المسرحية تعد المسرحية العربية الأولى التي تلتزم بمبدئي وحدة الزمان والمكان اللذين دعا إليها المذهب الكلاسيكي الجديد في فرنسا.


ولا يعني هذا أن المادة الاجتماعية الواقعية كانت غائبة عن هذه المرحلة، بل كانت موجودة على يد اليهودي المصري يعقوب صنوع (1839 ـ 1912م) الذي افتتح مسرحه عام (1870م)، وقدم عليه اثنتين وثلاثين مسرحية تحض على الإصلاح السياسي والاجتماعي والأخلاقي معتمدا في بعض منها على نوع من السخرية اللاذعة في لغة تغلب عليها العامية. لكن هذا المسرح ما لبث أن أغلق عام (1873م) بأمر من الخديوي إسماعيل بسبب تعريض يعقوب صنوع به وبالقصر في بعض مسرحياته السياسية.


والملاحظ أن المستوى الفني لهذه المسرحيات المؤلفة ــ كأي فن ناشئ ــ كان ساذجا إلى حد كبير، وربما ارتكزت أهم المآخذ في الجانب اللغوي الذي تأرجح بين البديع والركاكة، أو الجفاف الذي يعوق اللغة عن أن تكون حية متحركة تؤدي إلى تطور الحدث داخل المسرحية.










أحمد شوقي شاعرا مسرحيا
ملاحظات مبدئية في مسرح شوقي
أولا ـ اكتسب شوقى معرفته بالفن المسرحى حين كان يدرس الحقوق فى باريس، حيث أفنى كثيرًا من الجهد والوقت ليتعلم من المسرح الفرنسى السائد فى عصره، والذى أثار خياله وإعجابه. وكانت أولى محاولاته لكتابة الشعر المسرحى آنذاك فى باريس.

ثانيا ـ كتب أحمد شوقي ثماني مسرحيات، هي: مصرع كليوباترا، ومجنون ليلى، وقمبيز، وعلي بك الكبير، وعنترة، وأميرة الأندلس، والست هدى، والبخيلة.

ثالثا ـ أن المسرحيات جميعا كتبت خلال فترة زمنية قصيرة جدا؛ مما أوقع المؤرخين في خلاف حول تقدم ظهور بعض هذه المسرحيات على بعض. فالمقطوع به هو ظهور المسرحيات الثلاث المذكورة أولا بترتيبها السالف، وكذلك الانتهاء بالمسرحيتين الأخيرتين بالترتيب المذكور أيضا. أما المسرحيات الثلاث الوسطى، ففيها خلاف حول سبق بعضها بعضا.

رابعا ـ جاءت المسرحيات جميعا في قالب شعري، باستثناء (أميرة الأندلس) التي جاءت في قالب نثري. ولا نستطيع أن نعثر على سبب مقنع لاختصاص شوقي مسرحية أميرة الأندلس بالقالب النثري دونا عن بقية المسرحيات، خاصة منها مسرحيتيه الاجتماعيتين الهزليتين (الست هدى) و(البخيلة).

خامسا ـ جاءت مادة مسرحيات شوقي كلها مرتكزة على موضوعين أساسيين، هما: التاريخ، والمجتمع. فقد بدأ شوقي بالموضوعات التاريخية التي مثلت المسرحيات الست الأولى، حيث اعتمد في جوهرها على التاريخين المصري والعربي. فمن التاريخ المصرى استمد مصرع كليوباترا، وقمبيز، وعلى بك الكبير. ومن التاريخ العربى استمد مجنون ليلى، وعنترة.
أما المجتمع، فقد وظف واقعه في المسرحيتين الأخيرتين، حيث أتيتا في قالب ساخر يتناول بعض مساوئ المجتمع.


سادسا ـ الغالب على مسرحيات أحمد شوقي التاريخية شيوع فكرة الصراع بين مشاعر المرء وواجبه سواء نحو وطنه أو مجموعة من القيم التى ينبغى أن تسود فى مجتمعه.

مسرحية «مجنون ليلى»

أصل القصة التاريخي

ملخص المسرحية


تقع المسرحية فى خمسة فصول: فتبدأ أحداثها فى خيام بنى عامر، ثم تنتقل إلى طريق من طرق القوافل بين نجد ويثرب، وفى بقعة من الصحراء بالقرب من جبل التوباذ، ثم فى قرية من قرى الجن، ثم إلى خيام بنى ثقيف، وأخيرًا فى المقابر على سفح جبل التوباذ.

الفصل الأول: يفتتح الفصل الأول بحفل سمر فى حى بنى عامر، حيث نرى فتية وفتيات من الحى يسمرون ويدور بينهم حديث. وتخرج ليلى من خيام أبيها لتقدم ابن ذريح شاعر الحجاز إلى المتسامرين، ومن كلام ليلى نعلم أنها تعانى تباريح الهوى وألم الفراق، ومرارة الصراع بين حبها لقيس وصيانتها لعرض القبيلة:
يعلم الله وحدَه ما لِقـيسٍ
إننى فى الهــــــوى وقيسًا ســــواءٌ
أنا بين اثنتين كلتـــــاهما النــــــــار
بين حرصى على قداسة عِرْضى
صنتُ منذ الحداثة الحبَّ جَهْدى
قد تغــــنى بليلة "الغَيْلِ
مــــــــــاذا
كــــل ما بينــــــنا ســــــــــــــــــــــلامٌ ورَدٌ
وتبسّمـــتُ فى الطـــــــــــــريق إليــــه
 
من هوًى فـي جَوانحى مُستكِنِّ
دَنُّ قيسٍ مـــن الصبابـــــــــــةِ دَنِّى
فلا تَلْحَنىِ ولكــــــــنْ أعــــــــــــــــــــنّى
واحتفاظى بمـــــــــن أُحب وضَنْىّ
وهْو مستهترُ الهوى لم يَصُنّى
كان "بالغيل" بين قيس وبينى؟
بين عينٍ من الرفــــــــــــــــاق وأُذْن
ومضى شأن
َه وســــرتُ لشـــــأنى




وحين ينتهى الحفل، يظهر قيس بصحبة راويته زياد. وفى غمرة الشوق الجارف والحنين اليائس إلى ليلى، ينشد قيس واحدة من مناجياته "الغنائية«:
سجا الليلُ حتى هاجَ لى الشعرَ والهوى
ملأتَ سماءَ البيد عشقًا وأرضـــــَها
أَلمَّ على أبيات ليلى بىَ الهــوى
وباتتْ خِيامى خُطوةً من خيامهــــــــــــــــــا
إذا طــــــافَ قلبى حولها جُنَّ شوقــــــــــــُه
يحــــنُّ إذا شطّت ويصبـــــــــــــو إذا دَنَتْ
وأرسلنى أهلى وقالوا اْمضِ فالتمـــــــــسْ
عفــــــا الله عن ليلى لقـــــــد نؤتُ بالذى
 
وما البيدُ إلاّ الليلُ والشــعرُ والحُبُّ
وحُمِّلتُ وحدى ذلك العشقَ يا ربُّ
وما غيرَ أشواقى دليــــــلٌ ولا رَكـــــْبُ
فلم يَشْفِنى منها جِوارٌ ولا قُــــــــــرب
كذلك يُطفِى الغُلَّةَ المنهلُ العـــــذب
فيا ويحَ قلبى كم يحنُّ وكم يصبو
لنا قَبسًا من أهل ليلى وما شَبُّــــــوا
تَحمَّل من ليلى ومن نارها القلـــبُ



ويصل قيس إلى خيام المهدى وينادى على ليلى، فيظهر أبوها، ويفكر قيس فى حيلة تنقذه من حرج الموقف، فيزعم أنه أتى يطلب نارًا، مما يتيح له أن ينفرد بليلى، فيأخذان فى حديث حميم ينسى معه النار التى امتدت لتحرق كمه، ويسقط مغشيًا عليه.

تعليق نقدي على الفصل الأول
إن هذا الفصل قد أدى دوره، إلى حد معقول، فى تقديم الحدث الرئيسى بقدر غير قليل من القصد والاعتدال، وألقى الضوء على الشخصيات وطبائعها بلا إطناب أو سرف فى استخدام المناجيات الطويلة. بيد أن ميل شوقى إلى الغنائية على حساب الحركة الدرامية، يبدو جليا منذ اللحظة التى يظهر فيها بطل المسرحية الشاعر، على الرغم من أنه لم يغال فيها بكثرة طوال هذا الفصل؛ وربما يرجع ذلك إلى كثرة الشخصيات وتنوع مشاربها، مما مكن له أن ينوع فى الحوار ويسرع به، أو إلى أن البطل الشاعر لم يظهر إلا فى نهاية الفصل، أو إلى السببين معًا.

الفصل الثاني
ينتقل الحدث بعد ذلك، فى الفصل الثانى، إلى الصحراء حيث يهيم قيس بصحبة راوية شعره، فى حالة من المرض والجنون، ونعلم أنه لم يذق طعامًا صالحًا منذ أيام، ويرفض شاة مشوية منزوعا منها القلب وصفها عراف اليمامة لتدواى علته:
وشَاةٍ بلا قَلْبٍ يداوُونَنى بها
 
وكيف يُداوى القلبَ مَن لاَ لَهُ قَلْب!





تعليق نقدي على الفصل الثاني
وفى هذا الفصل نستطيع أن نرى شوقى وهو فى أحسن تجلياته شاعرًا غنائيًا يملك ذلك الحس المرهف والوعى الماكر بالمعطيات الموسيقية للغة العربية. تتبدى هذه المقدرة فى الاستطرادات الشعرية التى وضعها على ألسنة الأطفال وحُداة القوافل، ومنها قافلة الحسين بن على (t).

وواضح ما يرمى إليه شوقى بإضافة تلك الحادثة العابرة إلى مسار الحدث، من الضرب على أوتار العاطفة الدينية التى يثيرها الشوق والحنين إلى حفيد الرسول (r)؛ إلا أن وحدة الحدث هنا قد أصابها خلل ظاهر؛ بل إن الفصل كله لا يكاد يفيد الحدث الرئيسى فتيلا، ما عدا نقطة واحدة فيه وهى موافقة ابن عوف أمير الصدقات فى الحجاز وأحد عمال بنى أمية، على التوسط بين قيس ووالد ليلى.

الفصل الثالث
تلخيص ونقد

فى الفصل الثالث يتطور الحدث بسرعة من منطلق النقطة الدرامية الأخيرة فى الفصل السابق، إذ تتسبب وساطة ابن عوف فى إحداث التوتر المادى والنفسى المطلوب بين شخصيات المسرحية، الذى لو نجح الكاتب فى استخدامه لخلق جوًا من التشويق والترقب، ومن ثم حدثت المفارقة المسرحية التى كانت ستخدم بناء العمل فنيًا. ولكن شوقى بالغ فى وصف الصراع المادى بين رجال القبيلة المسلحين، وغلب الوصف الخارجى لمظاهر هذا الصراع على غيره من العناصر، وأبطأ الحدث بمقطوعات الوصف. وحين جاء دور الصراع النفسى، لم يتوغل فى نفوس أبطاله بالقدر الكافى الذى يسمح بوصف الحالة النفسية لهم، والتوتر الذى يفيد الجو المسرحى، بل أسرع بالحدث فى أبيات قليلة.

وعلى سبيل المثال حين طُلب من البطلة الاختيار بين حبيبها ومن جاء يطلب يدها فى الزواج، لم تتردد ولم تصطرع فى نفسها عناصر الصراع النفسى الحتمية فى مثل هذا المقام، وإنما اختارت أن تتزوج أول خاطب لها بدلا من حبيبها. وعلى أمثال لحظات الحيرة فى مواقف كهذا الموقف، تدور المسرحيات الكبرى فى الأدب الإنسانى. وكان ينبغى على الكاتب المسرحى أن يصور بالكلمة والحركة ما يصطرع فى نفس البطلة، ولا يغنى شيئًا ما وضعه من مناجاة على لسان ليلى فى نهاية الفصل لتبدى ندمها وتبرر قرارها المتسرع:
ربَّاه! ماذا قـــــلتُ، ماذا كـــــــان منْ
فى موقف كان ابنُ عوفٍ محسنًا
 
شأن الأميرِ الأريحىّ وشانــــــــــى؟
فيه، وكنتُ قليلةَ الإحســــــــــــــــــــانِ
قالوا انظرى ما تحكمين فليتنــــــــــى
ما زلتُ أهذِى بالوساوس ساعــــــةً
وكأننى مأموُرةٌ، وكأنمـا
قَدّرتُ أشياءً وقدَّرَ غيرَهـــــا
 
أبصرتُ رُشْدى أو ملكتُ عِنانــى
حتى قتلتُ اثنـــــــــــــــــين بالهَذيــــانِ
قد كان شيطانٌ يقودُ لسانِــــــــــــــى
حظٌّ يخطُّ مَصاير الإنســـــــــــــــــــــانِ













الفصل الرابع
تلخيص ونقد

جاء الفصل الرابع فى منظرين. يجرى الأول منهما فى إحدى قرى الجن، حيث يلتقى قيس فى هيامه وتجواله بشيطانه "الأموى" وملهمه الشعر. وفى هذا المنظر قدر من الأغانى والأحداث التى لا صلة لها بالحدث أو بالشخصيات، اللهم إلا بسبب ما تثيره من جو فانتازى خيالى. وأبرز مثال على ذلك، بل لعله أتم مثال مؤكد هو "نشيد الجن"، والحوار الذى يدور بين قيس وشيطانه، والمعابثة التى تقع بينه وبين أفراد جماعة الجن. ومن الواضح أن المنظر لايدفع الحدث، ولا يخدم عنصرًا واحدًا من عناصر الصراع، فضلا عن أن وحدة العمل قد أصابها خلل كبير بسبب تلك السلسلة من الاستطرادات الخارجة. وغاية ما حققته أنها أطلقت لخيالنا العنان فى واحدة من الأساطير العربية القديمة عن الشعراء وشياطينهم من وادى عبقر وما يوحون به إليهم من الأشعار.

أما المنظر الثانى فلا يخلو هو الآخر من بعض الحوادث غير المعقولة، وغير المحتملة الحدوث فى بيئة البادية العربية آنذاك، وخاصة إذا أخذنا فى الاعتبار العادات والتقاليد العربية. ذلك أن زوج ليلى يستقبل قيسًا فى بيت الزوجية بعد أن دله الشيطان عليه، بل يشفق عليه ويرثى لحالته، ومن ثم يتركه يتناجى مع ليلى مناجاة الشوق والحب. وهذا الفعل المتحرر غريب على التقاليد العربية التى تتعلق بالشرف. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يقدم لنا شوقى فيها أفعالا وأحداثًا هى من متطلبات زمانه هو لا زمان المسرحية: فقد سبق أن قدم فى حفل السمر فى الفصل الأول ليلى وهى تستقبل غرباء وتعرف صديقاتها بهم. إلا أن المنظر لم يخل من إشارة إلى تكاثف المأساة وإلى العنصر المسبب للصراع، والذى كان ينبغى للمؤلف أن يركز عليه ويطوره،






حيث تقول ليلى:
كلانا، قيسُ، مذبوحٌ
طَعينــــــــان بسكــــــــينٍ
لقد زُوِّجـــتُ ممن لم
 
قتيــــــــــــــــــــلُ الأبِ والأمِّ
من العـــــــــــــــادة والوهمِ
يكــن ذوقى ولا طعمى


وأخيرًا من مخالفات شوقى لحقائق الرواية القديمة فى هذا الفصل أنه جعل ليلى تموت قبل قيس على عكس ما ورد فى الأغانى، إذ ربما بدا له أن موت قيس بعد حبيبته أكثر منطقية، حيث يستطيع التعبير من خلاله عن بعض ما كان يجول فى نفسه وخياله عن القصة، أو أنه ربما تأثر بنهاية مسرحية روميو وجولييت التى سبق موتُ البطلة فيها موتَ البطل.








الفصل الخامس
تلخيص ونقد

يخصص شوقى الفصل الخامس والأخير من مسرحيته للحل المتوقع وهو موت قيس. بيد أنه فى سبيل ميوله الغنائية يضحى بكل منطق درامى، إلى حد أن مقدرته الشعرية وصلت أقصى الغايات فى روعة نظم المقطوعات الغنائية، أو بتعبير أصح الأغانى التى نظمت عمدًا ليغنيها "الغريض" مغنى الحجاز المشهور فى زمانه، والمراثى التى أنشدها قيس و"ابن ذريح" على قبر ليلى، مثل:
أَعينىَّ هذا مكانُ البكـــــــــــــــــاء
هنا جسم ليلى هنا رسمُــــــــها
هنا فم ليلى الزكىُّ الضحـــــــو
هنا سحر جفْنٍ عفــــاهُ الترابُ
هنا من شبابى كتاب طــــــواه
هنا الحادثات، هنا الأملُ الـــ
طريدَ المقادير هل من يُجـــير
تَزِلُّ الحياةُ لسلطانِهــــــــــــــــــــــــا
طَريدَ الحياة ألا تستقــــــــــــــــــــرُّ
بلى! قد بلغت إلى مَفْـــــــــــــزَعٍ
 
وهــــــذا مسيــــــــلكِ يا أَدْمُـــــــــــــــــع
هنا رَمقى فى الثَّرىَ المُـــــــــودَعُ
كُ يكاد وراء البِلى يلمـــــــــــــــــــــعُ
وكان الرُّقى فيه لا تنفـــــــــــــــــــــــعُ
وليس بناشِره البَلْقَـــــــــــــــــــــــــــــــــــعُ
حلوُ يا ليلُ، والألم الممتـــــــــــــــع
كَ منها سوى الموت أو يمنع؟
وللموت سلطانُها يخضـــــــــــــــــــــع
ألا تستريحُ، ألا تهجــــــــــــــــــــــــــعُ؟
وهذا التراب هو المَفــــــــــــــــــــــــــزَعُ



وعندئذ يظهر شيطان قيس فى نهاية المسرحية، ويأخذ قيس فى إلقاء تبعة المأساة عليه، ثم يناجى ليلى فى قبرها حتى يسمع ــ أو يخيل إليه أنه يسمع ــ صوتًا خافتًا صادرًا من ناحية القبر يناديه باسمه، فيلبى الصوت ويركع إلى جانب قبرها ويموت.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق